في صغري يحكي لي جدي عن قافلة، انتقل عبرها من نجد إلى الشرقية. مسافة طويلة، ووقت يقضونه في تأمل صحراء تحتضن تلالاً صفراء وطيوراً تختطف صمت الهدوء بتغريدة المشتاقين للعودة بعد عناء السفر في جلب البضائع، فقد كان المسلي لهم الوقوف في كل قرية يأتون لها ليتزودوا بالمؤونة؛ ما يجعلهم يتعاملون مع أهلها وبيئتها، ويستكشفون عاداتهم وتقاليدهم من منطقة لمنطقة أخرى. لم يطرأ على جدي أن ما يقومون به في ذاك الحين قد يكون ترجمته «إعلام سياحي»، ينادى به الآن؛ إذ إنهم ينقلون ما يشاهدونه من مناظر جميلة، ومن عادات وتقاليد قد تختلف من بيئة إلى أخرى في مجالس العودة؛ لتكون حديثهم لفترة من الزمن؛ وقد يشتاق لها العائدون منها، وقد يشدوا لها الرحال لمن اهتم لأمر هذا البلد بمجرد أن سمع عنه.
لم يكن جدي كاتباً صحفياً أو مصوراً محترفاً لكي ينقل ويصور تلك الأماكن، بل كان متحدثاً بارعاً في تصوير تلك الأحداث والمواقف والأماكن بطريقة يصنع منها صوراً حقيقية تأملية، تجعلنا أكثر إنصاتاً حينما يتحدث عن تلك الأماكن، في زمن يأتي بكل الأماكن بمجرد حروف تكتب وتظهر كل الصور.
في هذا الوقت تحولت القافلة من سفينة صحراء تنتقل من مكان لآخر عبر خط سير طويل، تصور الأماكن بحديث المجالس، إلى قافلة متخصصة تنقل الخبر باحترافية متخصصين في مجال الإعلام السياحي عبر نافذة التقنية الإعلامية التي تخصصت في مجال الترويج بطريقة الإعلام التقني الجديد، وكذلك عبر نخبة من المتخصصين الذين ينقلون ما يشاهدونه من أماكن، يجدون فيها من الميزات التي تلخص للقارئ وجهته وحاجته من خلال التواصل والاطلاع على ما يكتبه المتخصصون في هذا المجال الذي أشرق من قريب في تخصيص مجال الإعلام السياحي كتخصص يروج ويكتب وينتقد السياحة في جميع وجهاته.
ليس لتجربة المكان بل لتلخيص تجربة الإثارة في نقاط يراها الإعلامي المتخصص في مجال السياحة من زوايا عدة، قد يجهلها السائح، حينما يحدد وجهته دون أن يقرر حاجته، في حين يأتي الإعلام السياحي نقطة تحول للسائح حينما يساعده في تخصيص وجهات معينة للاستكشاف مع قراراته وحاجته حينما يختار وجهته مبنية على قراءات واستطلاعات عن تلك الوجهات.
قد يغيب الإعلام الورقي عن تلك المسارات الإعلامية المتخصصة في مجال الإعلام السياحي إلا أن هناك من يحاول نشر صفحاته بطريقة الإعلان المباشر، الذي يغلب عليه الترويج الصريح دون التأكد من جودة المكان والخدمات، في ظل ترديد مفهوم السياحة أنها مجرد سفر و»تغيير جو»، أو كما قيل. ومن هذا يجب ترشيد السائح إلى وجهاته التي يختارها من منبر صريح وجريء عبر قافلة الإعلام السياحي.
سليمان بن عبدالله الظفيري